ما زالت جاهلية ما قبل الإسلام تسيطر على عقول الكثير من أبناء وقادة الأمة العربية وهي تشبه- إلى حد كبير- جاهلية قبيلتي عبس وذبيان اللتين تقاتلا مدة أربعين سنة من اجل سباق بين فرسين أو حرب البسوس التي استمرت لأربعين عاما أيضا بين قبيلتي بكر وتغلب من اجل ناقة لامرأة تسمى البسوس بنت منقذ , وها نحن الآن نرى ملامح هذه الجاهلية تتكرر بين الشقيقتين مصر والجزائر بسبب مباراة كرة قدم جرت بينهما ؛ تلك الجاهلية التي هدمها الإسلام على يد خير البشرية محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – عندما أمرنا بترك العصبية والأخذ بقوله تعالى (إنما المؤمنون إخوة ) فأين نحن مما نشاهده الآن بين الجزائر ومصر ...
لقد أخذت الأمور بين البلدين في الخروج عن السيطرة عبر التصريحات الرسمية والإعلامية غير المسئولة بين الجانبين والتي وصلت إلى المطالبة بقطع العلاقات وسحب الاستثمارات بين البلدين الشقيقين , ولعل من حسن الحظ أن البلدين غير جارتين وإلا رأينا تحريك للجيوش على حدود البلدين... أي تهريج هذا الذي يسيطر على حال هذا الأمة العربية المهترئة التي ما ثارت عندما ذبح اليهود آلاف الفلسطينيين والآن تأخذها النخوة والشهامة عندما يتعلق الآمر بالخلافات العربية الداخلية , لقد صدق فيهم قوله تعالى ( بأسهم بينهم شديد ) .
الحكومتان، الجزائرية والمصرية، أرادتا اذكاء نار هذه الفتنة للتغطية على نواحي القصور الكثيرة في ادائهما، واضطهاد شعبي البلدين، حتى بعد حسم المنافسة رياضيا بأقل قدر ممكن من الاضرار.
الشعبان المصري والجزائري يعانيان من الدكتاتورية ومصادرة الحريات، واستفحال الفساد والمحسوبية والبطالة، وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية. وبدلا من ان يوجها غضبهما الى الحكومات الفاشلة التي اوصلتهما الى هذا الدرك الاسفل، نراهما يتقاتلان بطريقة مؤسفة، ويتبادلان الكراهية، وبما يبرئ الحكومتين والمسؤولين فيهما.
نعترف باننا نشعر بالحزن وخيبة الامل لان زملاء لنا من الاعلاميين واجهزتهم المقروءة والمرئية فشلوا في الاختبار المهني والاخلاقي، وتحولوا الى ادوات تحريض منفلتة العقال، وساهموا في احداث جبال من الكراهية بين شعبين شقيقين بسبب تقديمهم الاثارة الصحافية ليس فقط على الاعتبارات الوطنية والمصلحية، وانما على الاعتبارات المهنية ايضا.
لا نعرف كيف ستتطور هذه الازمة واين ستتوقف، ولكن ما نعرفه ان الضرر الذي وقع بين بلدين شقيقين بينهما الكثير من الارث النضالي والاخوي المشترك، اكبر بكثير من كل التوقعات، وربما سيكون من الصعب منعه او تقليصه بسهولة، خاصة في ظل الاعمال الانتقامية المتبادلة.
انها حال الانهيار العربي المؤسفة التي باتت بلا قاع، وتستغلها الانظمة الدكتاتورية الفاسدة من اجل تبرير بقائها في الحكم لاطول فترة ممكنة، من خلال اصطياد حوادث صغيرة وتضخيمها لاشغال الجماهير وتحويل انظارها عن العلل الحقيقية، وهي هذه الانظمة.
وصدق من قال :
لا خير في أمة تنهش بعضها .....نهش الوحوش في دنيا الغابات
ولا حياة لأمة أضاعت عقلها...... وسبق جهلها كل الجهالات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق